• +216 52 231 166
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سؤال وجواب

عندما أعبّر عن رأي دينيّ يسكتني البعض ويمنعونني من الكلام على أساس أنّي لست من "أهل الذّكر". فما معنى "أهل الذّكر" في القرآن؟ Résolu

0

علينا أن نتذكّر أوّلا أنّ الله تعالى يتوجّه بخطابه إلى جميع النّاس ويدعوهم كلّهم بلا استثناء إلى تدبّر القرآن وآياته: "أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها". ولا ينكر أحد أنّ كلّ من سيقرأ نصّا من النصوص ولا سيّما إذا كان ذلك النصّ "مقدّسا" يجب أن يتوسّل إليه بمناهج ومعارف متنوّعة ومتعدّدة. ولكن المشكل أنّ من يمنع عن الناس الاجتهاد لا ينقد قراءة مّا من حيث المنهج أو المضمون أو الشّكل أو سواها وإنما ينقد مبدأ القراءة نفسه أي إنّه يصادر منذ البداية حقّ النّاس في قراءة القرآن خصوصا وسائر النصوص الدّينيّة عموما...وكثيرا ما يستند في هذه المصادرة إلى قول الله تعالى: "...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(النحل،43).

والمعنى الشّائع ل"أهل الذّكر" يشمل المختصّين في مجال مّا. وعادة ما تشمل هذه الصّفة هذه الأيّام لدى أهل السنّة ذَكَرا ممّن تشهد له الجماعة بالتفقّه في شؤون الدّين. أمّا لدى الشيعة فتسند هذه الصفة إلى الأئمّة الّذين تميّزهم درجة عليا تجعلهم يعرفون ما لا يعرفه سواهم. وقد يختلف النّاس طبعا في تحديد أهل الذّكر ولكنّ اتّفاقهم حول شخص أو مجموعة منها يسمح بإقصاء من يُتصوّر أنّهم لا ينتمون إلى أهل الذّكر.

وإذا عدنا إلى سياق الآية ومقامها لوجدنا لها معنى مختلفا تماما. فالخطاب في الآية موجّه إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم: "من قبلك". وهو يثبت أن الله تعالى قد أرسل قبل محمّد رسلا آخرين اصطفاهم بالوحي. وفد وردت الآية في مقام حجاج مع من ينكر نبوّة الرسول محمّد على أساس أنّ الله تعالى ما كان يختار مجرّد بشر لاصطفائه بالرسالة. وهذا ما نقله الطّبري في تفسيره عن ابن عبّاس إذ "قال: لمّا بعث الله محمّدا رسولا أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمّد". وقد ذهب الرّازي في مفاتيح الغيب المذهب نفسه مشيرا إلى أنّ المشركين من منكري النّبوّة كانوا يقولون: الله أعلى وأجلّ من أن يكون رسوله واحداً من البشر، بل لو أراد بعثة رسول إلينا لكان يبعث ملكا".

 إنّ الآية إذن تريد أن تثبت لمنكري نبوّة الرّسول أنّ سابقيه ممن اصطفاهم الله تعالى بالوحي كانوا أيضا من البشر، وتحتجّ لذلك. ومَنْ أكثرُ قدرة لكي يشهد أنّ سابقي الرسول من الأنبياء هم من البشر سوى أهل الذّكر من الّذين "قد قرؤوا الكتب من قبلهم: التّوراة والإنجيل، وغير ذلك من كتب الله التي أنزلها على عباده" (تفسير الطبري). وقد يخصّص أهل الذّكر بأنّهم أهل التوراة إذ "الذّكر هو التوراة. والدّليل عليه قوله تعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزّبور مِن بَعْدِ الذّكر"  (الأنبياء/ 105)" (تفسير الرازي). ويفيد أهل الذّكر عموما "أهل العلم بأخبار الماضين، إذ العالم بالشيء يكون ذاكراً له" (تفسير الرازي).

والمهمّ أنّ أهل الذّكر ليسوا بالضّرورة موضوع الصّراع التأويلي الّذي نلحظه هذه الأيام بين بعض المسلمين. وليس أهل الذّكر من يعدّهم أهل السّنّة وأهل الشّيعة وأصحاب المذاهب جميعها، أهلَ ذكر إذا وافقوا مواقفهم وقراءاتهم وينفون عنهم صفة أهل الذّكر إذا ما قدّموا قراءات مختلفة لهم. والمهمّ أنّ أهل الذّكر الّذين يطلب منّا القرآن سؤالهم متّصلون بسياق إنكاري ومقام تاريخي مخصوص. والأهمّ أن لا أحد من حقّه منع شخص من تدبّر معاني القرآن وآياته.

هذا السؤال نشر منذ 2 سنوات 
#10269 قراءةآخر تعديل تم منذ 2 سنوات 

ألفةYOUSSEFL'auteure

Olfa YOUSSEF

اشتراك

اقرأ مجانا!

قم بتنزيل وقراءة أعمال الكاتبة ألفة يوسف مجانًا

الإتصال

Copyright © 2025 OlfaYOUSSEF.com. All Rights Reserved. Powered with by IDEAL CONCEPTION