• +216 52 231 166
  • Cette adresse e-mail est protégée contre les robots spammeurs. Vous devez activer le JavaScript pour la visualiser.

TAGS

  • ألفة يوسف هي كاتبة وباحثة تونسية مختصة في اللغة العربية واللسانيات اشتهرت بمقاربتها النقدية للفكر الإسلامي، أصدرت عدة مؤلفات، في هذا الجانب، آخرها كاتبها الصادر منذ أيام "وجه الله: ثلاثة سبل إلى الحق" وهو مؤلف جديد يدخل بها نحو تجربة التّصوف. حول هذا الكتاب، وعن مقاربتها في قراءة النص الديني، وقضية التأويل، ونقاط أخرى، حاور "ألترا تونس" ألفة يوسف في اللقاء التالي:


    • صدر كتابك الجديد "وجه الله :ثلاثة سبل إلى الحق" منذ أسبوعين في العالم العربي ولكن منذ أيام في تونس. ماهي أهم مميزات الإصدار الجديد؟ ولماذ صدر في العالم العربي قبل تونس؟

     الكتاب صدر في العالم العربي قبل تونس لأن الناشر الذي تعاملت معه وهو "دار مسكلياني للنشر" يعمل مع المعارض العربية وهو شأن أغلب الناشرين اليوم، ولذلك صدر الكتاب في المعارض في الخارج ثم جاء بعد ذلك إلى تونس.

    أنا أعتبر هذا الكتاب نهاية وبداية في الآن نفسه، هو نهاية لأنه تقريبًا آخر المطاف مع التجربة الدينية أو قراءة الشأن الديني التي شرعت فيها منذ أكثر من عشرين سنة بداية من كتاب "الإخبار عن المرأة في القرآن والسنة" وصولًا إلى "ناقصات عقل ودين" و"حيرة مسلمة" وغيرها من المؤلفات. وهو أيضًا النهاية لأنه بلغ حد تجاوز القراءة التأويلية والوصول إلى القراءة الروحانية الصوفية وقد بدأت بوادرها سابقًا في كتاب "شوق، قراءة في أركان الإسلام".

    ألفة يوسف: كتابي الأخير "وجه الله: ثلاثة سبل إلى الحق" هو تقريبًا آخر المطاف مع التجربة الدينية أو قراءة الشأن الديني التي شرعت فيها منذ أكثر من عشرين سنة 

    و لذلك الكتاب هو نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة تركز أساسًا على البعد الروحاني في علاقتنا بالألوهي والحياة، وفي هذا يلتقي الصوفي بما نجده اليوم وما يعرف بالتنمية البشرية والاهتمام بتحسين كيفية الحياة.

    والكتاب كما عنوانه يقدم ثلاثة سبل إلى الحق في أساليب واضحة ودقيقة بلغة مبسطة نحو ما ما يسميه الفلاسفة الكبار والمتصوفة الروحانيون السكينة العميقة والاطمئنان أو السعادة وهي: طريق العمل، وطريق الرضا وطريق الذكر.

    وما اعتبره طريفًا في الكتاب والأمر للقراء طبعًا هو أن كتب المتصوفة عسيرة على الفهم بالنسبة إلى القارئ العادي الذي لا علاقة له بالتصوف، لكن هذا الكتاب بالعكس يمكن أن يقرأه أي شخص لأنه يتضمن تقريبًا وتبسيطًا للمفاهيم ومفاتيحًا تساعد الإنسان في تعامله الوجودي مع حياته.

    • من كتابك "الإخبار عن المرأة" وصولًا إلى إصدارك "وجه الله: ثلاثة سبل إلى الحق"، ما الذي تغير في كتابات ألفة يوسف؟

    في الحقيقة كل لحظات حياتنا تشي بتغيير ما، فمن لا تتطور تجربته ومن يبقى مكررًا لما قاله منذ عشرين سنة يعبر عن مشكل ما في شخصيته أو نفسيته.

    تعاملي مع الشأن الديني وهو ما يعرفه المقربون مني وقرائي الأوفياء ليس تعاملًا محترفًا، أنا امرأة أطرح الشأن الديني من منظور ذاتي بمعنى في قضايا تهمني شخصيًا لا أتعامل تعامل الباحث المجرد وإن كانت لي أطروحة دكتوراه بعنوان "تعدد المعنى في القرآن" وهي مدققة لسانية أكاديمية.

    منطلق أبحاثي الأساسية في الشأن الديني تساؤلات شخصية وجدية وفكرية، وتطورت بعد أن تعاملت مع النص الديني من منظورات مختلفة أولًا من خلال كتابي "الإخبار عن المرآة في القرآن والسنة" وهو تعامل من منظور تاريخي سياقي قائم على الفكرة الشائعة التي بدأت مع أركون والجابري وغيرهما التي تدعو لقراءة النصوص الدينية في سياقها التاريخي، وهي فكرة ما تزال مهمة إلى اليوم.

    ألفة يوسف: ربما يجسم التصوف في تجربتي الشخصية مرورًا من مرحلة النسبي إلى مرحلة المطلق

    ثم تعاملت مع النص الديني تعاملًا لسانيًا، وهو اختصاصي الأصلي، من خلال البحث في الدلالات المتنوعة للتراكيب والكلمات والمعاني للآيات وهذا ما تجسد في كتاب "تعدد المعنى في القرآن". وبعدها تعاملت مع الشأن الديني تعاملًا من منظور التحليل النفسي وهو ما تجلى في كتاب "ناقصات عقل ودين" وكتابي الصادر باللغة الفرنسية "Le Coran au risque de la psychanalyse" وبالمناسبة سيصدر قريبًا مترجمًا إلى العربية، وهو عن التعامل مع النص الديني من منظور التحليل النفسي انطلاقًا من مفاهيم الشوق والمحبة وغيرها من المفاهيم.

    أعتقد أن كل هذه التعاملات ضرورية في حياة الإنسان لكن مع احترامي لها لا تقدم إجابة شافية. بالنسبة إلى المسلم، هي تقدم إمكانات لكنها تظل إمكانات قابلة لأن تنقضها إمكانات أخرى. مثلًا، يمكن أن يأتي شخص متطرف أو متشدد أو حتى ينتمي إلى أطروحات "داعش" ويقول لك مثلًا أن النص الديني يسمح بقتل المرتد أو الرق ويأتيك بآيات موجودة وتناقشه بالمنظورات التي ذكرتها سابقًا، أي بالسياق التاريخي أو اللساني اللغوي، ولكن في كل الأحوال لا تقدم إجابة نهائية أو شافية.

    وقد تجسمت كل هذه الإمكانات التفسيرية خاصة في كتاب "والله أعلم" الذي صدر في البداية في سلسلة كتب صغيرة ثم بعد ذلك تم جمعها في كتاب كبير، وهو يقوم على محاورات بين شخصيتين: واحدة تتبنى قراءة حرفية للنص الديني وأخرى تتبنى قراءة ما يسمى بتنويرية أو حداثية. يبيّن الكتاب في النهاية أن لكل شخص وجهة نظر فنحن في مجال النسبية في حين أن الانسان لا يرتاح إلا في مجال المطلق وهذا ما وفره لي أو في طريقه إلى توفيره إليّ مجال التصوف. ربما يجسم التصوف في تجربتي الشخصية مرورًا من مرحلة النسبي إلى مرحلة المطلق.

    couv وجه الله ghm

    • تعاملك مع النص الديني جعل البعض يتهمك بالإلحاد وأنت تؤكدين دائمًا أنك مؤمنة مسلمة. ما تعليقك؟

    حقيقة، لا يمكن الإجابة عن هذا القول لأن الإيمان مسألة فردية وواضحة، وأنا أقولها لأنني لا أجد أي حرج في الإقرار بمعتقد هو معتقدي ولا أفرضه على أحد. لكن المشكل هو أن الذين يتهمون غيرهم بأي تهمة من التهم ولا سيما التكفيريون عاجزون عن قبول وجود  الآخر، وهم عاجزون عن قبول إمكان مختلف لرؤية الكون وهذا منطلقه عادة هشاشة نفسية لديهم وعقد تجعل الإمكان المختلف يزعجهم لأن هذا الإمكان يقدم لهم صورة ممكنة مغايرة لغير ما هم عليه والحال أنهم يريدون من يقول لهم أنتم فقط تمتلكون النظرة الصحيحة.

    ألفة يوسف:  أتلقى أحيانًا تهجمًا من اللادينيين لأن مسألة عدم قبول الآخر ليست مرتبطة بانتمائك إلى دين وإنما مرتبطة بتركيبة نفسية معينة 

    لهذا ربما ما أزعجهم في كتاباتي هو التسامح وهي كلمة فقدت الكثير من معناها، إذ يقدم التسامح قراءة ويدحض القراءة الأخرى لكنه لا يدعو إلى قتل صاحب القراءة المختلفة ولا يدعو إلى تكفيره. هؤلاء تعودوا على منطق الإقصاء، ويخبرنا تاريخ المسلمين منذ الفتنة الكبرى عن التناحر بين الفرق والمذاهب وسجن العلماء والفلاسفة وتعذيبهم، بمعنى ما يحصل اليوم ليس بجديد. وما أتت به أو حاولت أن تقدمه كتاباتي في تجربة صغيرة ومتواضعة هي إبراز صورة أخرى للإسلام وهي صورة ناصعة مشرقة.

    ولكن أريد أن أقول أيضًا إنني ألاقي أحيانًا تهجمًا من اللادينيين لأن مسألة عدم قبول الآخر ليست مرتبطة بانتمائك إلى دين وإنما مرتبطة بتركيبة نفسية معينة قد تجدها لدى المسلم أو المسيحي أو اليهودي أو اللاديني .

    • ترين أن النص الديني قابل لأكثر من قراءة؟ فهل هي إعادة تأويل من أجل التأويل أم تأتي انسجامًا مع متغيرات الواقع؟

    سؤال ذكي جدًا. لا أرى في الحقيقة أن كل نص قابل لأكثر من تأويل ولكن ذلك هو واقع كل نص لغوي، فليس لنا مهرب. كان علي ابن أبي طالب يقول القرآن "حمال أوجه" وإن "النص لا يتكلم ولكن يتكلم به الرجال"، كان يوجد شعور منذ البداية أن النص لا يتكلم وأنه قابل لتأويلات شتى. وبالتالي، إن التأويل هو قدر النص وهذا ليس فيه شك.

     لكن يبقى السؤال كما قلت، هل نسقط تأويلًا على النص بسبب أننا اليوم في عصر حديث وعلينا أن نجد حلولًا لبعض المعضلات كمسألة الرّقّ التي لا يلغيها النص بصفة مباشرة والحال ألغينا اليوم الرق في الدول المسلمة ونتحدث عن دين يقوم على المساواة بين البشر؟

    ألفة يوسف: أعتقد أن المعضلة، في الحقيقة، بين النص والواقع هي معضلة وهمية فلا وجود لشخص يقرأ نصًا خارجًا عن سياقه و التأويل هو ترسيخ لقراءة لسانية لنص مقدس ضمن إطار تاريخي مخصوص

    أعتقد أن المعضلة، في الحقيقة، بين النص والواقع هي معضلة وهمية، فلا وجود لشخص يقرأ نصًا خارجًا عن سياقه يعني مثلًا لا يمكن أن يفكر الناس في القرن الأول أو الثاني للهجرة في الأنترنت، وهذا يدخل في إطار اللامفكر فيه. في نفس السياق، لا يمكن أن يفكر الناس في اعتبار الرجل والمرأة والطفل متساوون في الحقوق والواجبات في إطار ما يسمى بحقوق الإنسان، فهذا مستحيل. وقد وضح أركون جيدًا مفهوم اللامفكر فيه من جهة وما لا يمكن التفكير فيه من جهة أخرى.

    اذًا لأعود إلى التأويل، أقول إن كل من يؤول فهو يؤول في سياقه التاريخي. عندما تقدم ألفة يوسف قراءات ممكنة فهي تقدمها لأنها تحيا في سياق زمني وتاريخي معين، وأكيد بعد مائة سنة سيؤول الناس النص بالاعتماد على ما هو موجود وقتها. فالقارئ أو المؤول لا يمكن أن يكون خارج زمنه. لذلك، التأويل ليس للتأويل في ذاته، وإنما هو ترسيخ لقراءة لسانية لنص مقدس ضمن إطار تاريخي مخصوص.

    • تحدثت في أكثر من مرة عن التأويلات ودورها في إذكاء الصراعات لكنك في الوقت نفسه تقدمين وتدافعين عن تأويلات جديدة للنص. ألا يبدو هذا متناقضًا؟

    التناقض صحيح في حالة إن كنت أقر أن التأويل الذي أقدمه هو الصحيح. هناك فرق بين أن يدلي شخص بدلوه في مجال التفسير والتأويل ويقدم قراءته مع احترام القراءات الأخرى وشخص أخر يقدم قراءة يقدمها أنها السبيل الوحيد لفهم النص.

    ألفة يوسف: نحن نكتب مثلما نحيا ونفعل ما نفعله ولا يمكن أن نحكم مسبقًا أبدًا على نتائج أفعالنا

    لذلك، أعتبر أن الكتاب الفارق في مسيرتي هو "والله أعلم"، فقد أردت أن أبين، من خلال أمثلة دقيقة أو ما يسمى باللسانيات التطبيقية في الحديث عن الخمار وعن الخمر وقطع يد السارق وغيرها من المواضيع، كيف يمكن فعلًا أن نجد شخصين كل منهما يقدم تاويلًا وحججًا مقابلة لبعضها البعض دون أن يصلا في نهاية الأمر إلى العنف، وحرصت أن أبين أنه بإمكاننا أن نختلف ولكن المهم أن نقتنع بأن رأينا أو تأويلنا هو إمكان من ضمن إمكانات أخرى.

    • تقولين دائمًا أنك تكتبين آراء شخصية فردية، فهل نكتب لنغير أم نكتب لمجرد نشر مواقفنا؟

    سيتضح الأمر في كتابي الجديد. أنا لا أؤمن كثيرًا بالشخص الذي يغير قصدًا، هو مجرد وهم بالنسبة لي فنحن نكتب مثلما نحيا ونفعل ما نفعله ولا يمكن أن نحكم مسبقًا أبدًا على نتائج أفعالنا.

    سأعطيك مثالًا بسيطًا، عندما كتبت "حيرة مسلمة"، وهو ليس أقرب كتبي إلى قلبي، لم أكن أتصور أن يلقى ذلك الصدى في تونس وخارجها وهو اليوم أشهر كتبي. فما نكتبه لا يمكن أن نحكمه وسأبسط ذلك بمثال آخر كأن تضع ابنًا او ابنة وتقول "أريد أن يكون كذا ويفعل كذا ويغير العالم"، يمكن أن تبرمج كما تشاء لكن الله تعالى هو الذي يفعل ما يشاء. فأنا لا أسعى إلى التغيير بكتبي لكن قد تغيّر بما لا أحكمه، فأنا أكتب فقط وأترك للقارئ وللتاريخ مهمة أن يفعل كل منهما ما يشاء بهذه الكتابات المتواضعة.

    • دائما نتحدث عن الإسلام التونسي المعتدل، هل تؤيدين هذا التوصيف؟

    من المنظور التاريخي، يمكن أن نعتمد هذا التوصيف وهو ليس توصيفًا كاذبًا ولكن مشكلته أنه وقع تسييسه لاسيما في مرحلة بن علي لدرجة أنه فقد تأثيره البراغماتي والمعرفي في التونسيين وفي غيرهم.

    صحيح أننا في حياتنا اليومية خاصة منذ مائة سنة لم يكن تمثلنا للإسلام قائمًا على التشدد، ولكن لا يجب أن نقول إن هذه قاعدة عامة. الأمر ليس جينيًا مرتبطًا بالتونسيين بل يرتبط بمراحل تاريخية معينة وبأنواع التفاعلات السياقية في التاريخ.

    ألفة يوسف: أفضل أن نتحدث لا عن الإسلام المعتدل ولا عن الإسلام المتشدد بل عن الفكر التنويري وهو ليس فكرًا خاصًا بتونس

    وأعتقد أن الإسلام المعتدل جاء رد فعل على الإسلام المتشدد. لهذا، أفضل أن نتحدث لا عن الإسلام المعتدل ولا عن الإسلام المتشدد بل عن الفكر التنويري وهو ليس فكرًا خاصًا بتونس بل هو حركة إصلاح قامت بعمل جبار نجدها لدى ابن رشد، والفرابي، وابن عربي وغيرهم. هو فكر يقوم على التجميع لا على الإقصاء.

    وأنا أرى أن كلمة "معتدل" مرتبطة بالطقس وهي مزعجة، وأفضل الفكر التنويري لأن النور يجمع، ولأن الله نور السماوات والأرض، وكلنا تجمعنا هذه الحياة وتجمعنا هذه الروح التي نفخها الله تعالى فينا. وأن نتجمع لا يعني أن نكون متشابهين بل معناه أن نتعايش معًا في إطار اختلافاتنا وتمثلاتنا وألا يسعى أحد منا إلى فرض موقفه على الآخر.

    • المشروع الحداثي هل لا يزال هاجسًا لدى الشعوب العربية؟

    سؤال مهم جدًا في هذا العصر. يبدو أنالمشروع الحداثي فقد تأثيره لدى الشعوب العربية التي لم تجد بعد طريقها لفرض رؤيتها لهذا العالم، وحتى التغييرات التي نراها اليوم للأسف ليس للعرب فيها نصيب إلا بشكل ضئيل.

    ولكن وإن كان يحيا العرب اليوم على هامش التأثير المباشر في العلوم الاقتصادية والتطورات التكنولوجية، فهم باستفادتهم من هذه التطورات يتغيرون ومن ذلك دوروسائل التّواصل الاجتماعي في تغيير قناعات الناس. فبقدر ما نجد في العالم العربي تصورات تقليدية متخلفة آتية من القرون الوسطى، نجد أيضًا شبابًا متحررًا من التقاليد بفكر جديد متأثر مثلًا بالسينما العالمية، لذلك أعتقد أنه من الإجحاف القول إننا خارجون عن الحداثة. نحن خارجون عن التأثير في العالم ولكننا شئنا أم أبينا، نحن نحيا الحداثة وحتى ما بعد الحداثة غصبًا عنا.

  • صدر في بداية شهر ديسمبر من سنتنا التي تغادرنا متثاقلة (2019) كتاب قيّم للدكتورة ألفة يوسف تحت عنوان "وجه الله" ثلاثة سبل إلى الحق". وهو أثر يدشَن لقارة جديدة في التناول بعيدا عن كل تصنيف منهجي أو مفهومي و هو متحرر من كل القيود الأكاديمية أسلوبا و منهجا و مفهوما, إنه يسلك دربا جديدا و يتقصَى أثر تجربة فريدة و مخصوصة هي تجربة لقاء غريب و خلاب مع الله.

    لعل المدهش حقا في هذا اللقاء هو التنصيص على تعدد السبل و تنوَعها بتنوَع العقول و باختلاف أشكال حضور الإنسان في العالم وبتكثَر فعل الإنسان في الكون.

    فماهي مواقع الجدَة في كتاب وجه الله؟

    • خيبة انتظاراتنا ووميض الذات:

    كنا ننتظر من الأستاذة ألفة يوسف أن تجذَرنا في حقلها المعرفي المعهود و القائم على صرامة المنهج ودقة المفهوم و الحرص المدرسي على التنظيم فإذا بنا أمام متعة الاكتشاف الذاتي كضرب من الفيض المعرفي الغير مسبوق بخطًة و الذي لم تفسده قواعد المنهج فكان وصفا لتجربة ذاتية مغرقة في البوح فهي تقول شيئا واحدا بكثير من الكلمات, الواحد المتكثَر في موجوداتة هو الله الذي لا تسع لقائنا به لغة و لا قولا.

    لعلَ ما تردد كثيرا في الأثر هو التألم من عجز اللَغة و الرغبة في تجاوز المنحى الاسمي لملامسة عمق الموجود الواجد و لكن خيبتنا كانت أعظم فنحن لم نعثر في الأثر على أحكام فقهية أو معرفة دقيقة عالمة بالنص القرآني بل القراءة للكتاب كانت منذ وهلتها الأولى إطلالة على مدار جديد و أرض جديدة تطؤها قدم الكاتبة و هي أرض اليقين والوجد و الحلول أرض غير مكتشفة سابقا بالنسبة لقاطن العصر و المتسلَح بالوسائط و الأدوات المعرفية والتقنية.

    تدعونا ألفة يوسف في هذا الكتاب إلى التحقَق من كل الوسائط اللغوية و الرمزية و التقنية و من كل المقاربات لتلقى بنا في بوحفعلي حيث تكون الأنا عارية من كل ما يثقلها متحرَرة من كل معرفة سابقة كمن يدخل حقلا لأول مرة.

    هل ذلك يعني أنها أوَل المتحدثين عن السبل إلى الله ؟

    انه من المغالاة و سوء التقدير افتراض أن وجه اللَه بحث تأسيسي في اكتشاف اللَه في ذواتنا لكن من المنصف أن نلاحظ أن الجديد فعلا هو : جدَة الأسلوب و بساطته و كل مايدرك جيدا يقال بوضوح.

    غياب معنى الدحض و الجدال و الخصومة ففي كل الكتاب لم يتم التعرض إلى أي فكر بالدحض أو التجاوز أو الرفض أو التصغير بل بالعكس هناك رغبة في الاستيعاب و التسامح المعرفي المذهل و الانكفاء على الذات و كأن لا شيء قيل سابقا.

    التأسيس الذاتي لضرب من اليقين المريح و المطمئن أي محاولة الوقوف على تأويل و ليس تفسير يمنح الطمأنينة و دون أن يؤذي أحدا و يرفع شعار الكف عن الأذى المعرفي طلبا للأتراكسيا Ataraxieأي راحة النفس و ايذانا بتحقق الأبونياAponie أي راحة الجسد فالمطلوب ليس إفحام الخصوم كما حدث في أثار سابقة بل سعادة الذات بما تقتضيه من سكينة و هدوء و انكفاء على الأنا كضرب من الأيقولوجيا الموجبة Egologie positive .

    إن انتظارات القارئ الجدالية و السجالية تمت التضحية بها في "وجه اللَه" لفسح المجال أمام ذات شفافة أرهقتها مسافة الركض لمسك حقيقة متدفقة كتدفَق الزمن و كتدفَق الوجود الالهي ذلك  السيل الأبدي.

    هل يعني ذلك أن الكتاب لم يلتزم بأي اجرائيات؟

    الذاتية لاتعني الفوضى و لا الانسياب المرضي كتداعي حرَ و إنما هناك نظام هو نظام العرض و ليس نظام الاكتشاف.

    وفق نظام الاكتشاف يعبَر الكتاب عن تجربة في الزمن و في علاقة بالأشياء و الأحداث و الأشخاص شديدة اليقظة و التحفَز.إنّ نظام عرض الأفكار  L'ordre d'exposition  جعل الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أبواب و هي :

    • طريق العمل
    • طريق الرضا
    • طريق الذكر

    و تعهَدت الكاتبة بتوضيح كل طريق و ما يميَزها و طبيعة سالكيها و رهاناتها واحراجاتها حيث بيَنت أن :

    • طريق العمل: هو نمط من الفعل يقوده الإجرائي و يطلب الأجر الإلهي كاستحقاق و هو نسبي و سياقي في الزمان و المكان و في علاقة بالأخر و منطلقه القلب و الأنصاتإلى صوت الجوهر فينا .انه لازم بلا نقاش و عطاء يظل أثرا عبر الزمن.
    • طريق الرضا: و هو الفعل الذي يحركه و يدفعه النفسي و يتأسس على القبول بمشيئة اللَه ليس بوصفها الأفضل و لكن بما هي الوحيدة (ص61). حيث يكون العمل من نصيب الإنسان و نتيجة العمل من أمر اللَه ممَا يجعل الفعل شراكة بين العبد و الرب (ص65). فالإنسان ليس حرَا بإطلاق و إنما يحقق مشيئة اللَه. و يكون الرضا تأويلا بلا تفكير (ص101).

      إن طريق الرضا قوامه الحبَ و العرفان و عدم الجحود لأن الجحود هو الكفر الحقيقي و إنكار النعم هو ما يجعل الإنسان كافرا (ص112). فحالة الرضا اعتراف (ص128) ,اعتراف باللَه كفاعل أوحد وأننا نلعب دورا في الحياة و أن كل ما يحركنا للفعل مجرَد حيل العقل  Les ruses de la raison التي تحفَزنا لكي تتحقق الأهداف من خلالنا كما يعبر عن ذلك هيقل.

    • طريق الذكر:يغلب عليه الفلسفي و هو طريق التدفَق, تدفَق النفس و حيويتها و خلودها مثل تدفَق الزمن لدى ليبنيتز Leibniz حيث تؤسس الكاتبة لمفهوم مستحدث هو "الشاهد" أي ما يتبقى أو الجوهر أو الصفات اللامادية (ص155).

              فما السبيل إلى "الشاهد"؟

    إن السبيل إلى الشاهد هو الخشوع كوجه مستيقظ الحضور لتقبل الحقيقة في مقابل الغفلة أي وجه المعرفة و الإدراك في مقابل وجه غفلي بتعبير ليفيناس.

    إنالإنسان بعيدا عن الشاهد و عن ماتبقى بعد التجربة و خوض سعة الحياة هو كالقابض على الماء إنالإنسانإن اكتنفته المادة و الحياة و اكتفى بها انه إذن لجبان و قد حذَره التاريخ من أن تكون الدنيا جنَته,فالإنسان كالماء يجري لم نقف له على وقفة قط و هو يركض في الحضرة الالهية.

    فما دلالة الحضرة الالهية ؟

    تميَز الأستاذة ألفة يوسف بين الحاضر بما هو مجال العرضي و الحدثي و الزائل و الاجرائي و النفعي و الحضرة بماهي الكينونة الأصلية.و تعتبر الحضرة الالهية ليس عبادة و إنما العبادة في معناها كجوهر و كشهادة لأن العبادة لا تنقطع لحظة حيث تقيم الكاتبة مقارنة طريفة بين الصلاة ككتاب موقوت و الصوم كشهر معلوم و الزكاة كمرَة في الحول و الحج في زمن بعينيه من جهة بوصفها عبادات في صيغة العابر و الظاهر و السطح و المرئي و المشهودو من جهة اخرىالشهادة تلك العبادة بألف و لام الاستغراق و العابرة للأني و الجزئي و المميَزة للشاهد و الدَالة على المشهد.

    مشهديَة مدهشة و أنت تطالع الكتاب فتصبح أسيرا لرؤية جديدة للعبادة المطلقة و المتدفقة و اللامنقطعة و الخالية من الحركات و التدابير الزمنية لتصبح العبادة دعاء أو تلك الحضرة أو ذلك الإقرار الجازم بأن اللَه هو الذات المطلقة التي بها تكون الحياة (ص167)

    فما الذي يراد قوله بهذه السبل إلى اللَه ؟

    • السبيل إلى اللَه: غنيمة تعب:

    تلحظ  منذ المقدمة و التصدير أن الكتاب نتيجة تعب السعي و ثمار التأم جروح الذات المعطوبة و أن الأنا الكاتبة تتحرك فوق جروحها , جرح النفعي و صدمة و شرخ اللقاء بالأخر و مرارة الهشاشة و الضعف و التقدم في الزمن و القدامة في المعرفة المفسدة للحياة ,و إدراك المألات لكل سعي مادي و اجتماعي فكان الكتاب لا يطلب اعترافا بمعرفة يراكمها و لا يطلب مجدا لكاتبته بل يزعم أنه دليل إلى اللَه أو درب غير مسلوك يجنبنا الألم عبر تقليصه.

    تحاول الكاتبة في هذا الأثر بلوغ السعادة فهو طريق إليالسعادة المطلقة و السكينة و الاطمئنان خارج تصاريف الحياة و ذلك بفضل انتقال جري ء و معلن من عبادة المخلوق /القرآن إلى عبادة الخالق/اللَه . وفي دلك ما يخبر عن قطع مع تصور عامي للدين يلتزم بالطقوس إلىممارسة فلسفية تطلبالحيرة و هي عبادة الخالق لذلك نجد في الصفحة 12 إخبارا عن أن الكتاب لا يتعلق بفكرة بل بتجربة.

    فما الفرق الذي تقيمه الكاتبة بين الفكرة و التجربة ؟

    • الفكرة و التجربة:

    إن الفكرة تقوم على منهج و تستند إلى الحجة و تطلب الموضوعية و غايتها إقناعالأخر و رؤية الأخر وجها مختلفا عن و جه الذات , و عادة ما تكون الفكرة ميتة و ثابتة في حين تكون التجربة عفوية و تلقائية و منسابة كتجربة عيش , ذاتية و متفردة , حية و حيوية و فيها إبداع و خلق و تستهدف الذات لتنشد الطمأنينة و السعادة.

    بهذا التمييز ندرك أن الطريق إلى اللَه تجربة لأن وجه اللَه هو في الحقيقة وجهنا و لكننا نغفل عن ذلك في خضم اليومي و المعيش .

    كتجربة معيشة و نظام اكتشاف حدسي Intuitif يسجل جملة عوائق أهمها:

    • عائق اللغة التي تشير و لا تفصح .
    • معضلة الوجود /اللَه الذي هو أكبر من الاسم (المنطوق أو المكتوب اللَه).
    • عدم حيازة منهج في الاكتشاف .

    لكن رغم هذه العوائق و خصوصا عائق اللغة التي لا تقول الوجود  ولا تقول الحقيقة و عائق الحجب /الحجاب الذي يجعل من الوجود أعمق من القول (برقسون) فان الأثر توصَل إلى جملة مكاسب (ص207) .

     فما الذي نغنمه من الأثر ؟

    • التماثل و الاختلاف بين اللَه و الإنسان:

    تورد الكاتبة حكاية الملك و الوزير و التي كان فيها الوزير يقول للملك دوما :"إن اللَه  لا يفعل الأ خيرا."  و في يوم قطع إصبع الملك في حادث و لما قال له الوزير"لعلَه خير" غضب الملك و أمر بحبسه, بعد ذلك بأيام خرج الملك في رحلة صيد فألقت عليه قبيلة متوحشة القبض و أرادوا أن يقدموه قربانا لإلههم و لكنهم تراجعوا عندما اكتشفوا إصبعه المقطوع, فالقربان يجب أن يكون سليما معافى ,عندها تذكَر الملك كلام وزيره و أخرجه من السجن معتذرا له. فقال الوزير :"لا تعتذر, فسجني أيضا خير, لأني لو شاركتك رحلة الصيد كنت أنا القربان لأن جسدي سليم . (ص80-81).

    مثل هذه الحكاية تكشف جملة أفكار و هي :

    • عدم القدرة على تحديد الخير و الشر:لأن الإنسان علمه جزئي أو لا يعلم
    • التمييز بين الإنسان و اللَه :إن الإنسان إرادته لامتناهية و مطلقة و غير محدودة و لا ترتبط بشروط و من هنا فهو يشبه اللَه تماما لكن معرفته محدودة فهو لا يعلم إلا القليل كما أن قدرته محدودة و ضعيفة أي أن الإنسان لا تتطابق الإرادة لديه مع المعرفة مع القدرة أما اللَه فإرادته تتطابق و تتناسب مع معرفته و مع قدرته فهو إرادته لا متناهية و معرفته لا محدودة و قدرته لا متناهية أيضا لذلك فكل مايريده اللَه يعرفه و يقدر عليه .أما الإنسان فيداخله الوهم من جهة أن ما يريده لا يعرفه و لا يقدر عليه .
    • اللَه لا يخطئ :إرادة اللَه حسنة مطلقا و لكن حكمنا البشري عليها يلوَنها خيرا أو شرا لهذا فالعذاب هو أن يرفض الإنسان ماهو كائن .
    • ايتيقا الطريق أو ما لايعلمنا إياه الكتاب:

    حين تنتهي من مطالعة "وجه اللَه" سرعان ما تتماهى مع مؤلفته في سعيها إلى تأسيس ميتافيزيقي لما هو إنساني و تأسيس ما هو إنساني و تاريخي استنادا إلى الميتافيزيقي حيث يكتسب الكتاب قيمته الأساسية لا من تماسكه المنطقي أو دقته المفهومية فحسب و إنما من هواجسه الايتيقية , فالكتاب رافعة لأخلاقية تقوم على :

    • إدراكمفهوم الدور و معنى الالتزام .
    • الوعي بعرضيةوجودنا في العالم .
    • فهم أن الإنسان ليس فرحة الوجود و لا مأساته بل هو لحظة عبور.
    • نحن أدوات اللَه و آلاته و استخداماته و دلالة على وجهه .
    • وجوه البشر هي وجه اللَه , وجه اللَه هو وجه الأنا , نحن الوجه العارض لوجه الجوهر .
    • وجهي يسع الكون و ما فيه بما يعنيه ذلك من تجاوز للوجه الاستيتيقي نحو الوجه الايتيقي و بذلك يتحول الإنسان من عرض إلىذكر أو سياق ذو دلالة (ص212).
    • تجنب الصراع إدراكا بأننا أجزاء للكل و ضرورة أن يتحمل بعضنا بعضا تأصيلا للعيش مع الأخر أي التخلي عن وجه الذات و وجه الأخر من أجل ملاقاة وجه ثالث هو وجه اللَه ما دمت أنا و الأخر منخرطين في مشروع مطلق هو التاريخو الحقيقة أي ما يبقى من طريق الذكر.

    هل معنى ذلك أن الكتاب بلا حدود و لا تشوبه نقائص ؟

    • تجربة حدسية لفارسة ايمان:

    ككل تجربة ذاتية لا يمكن إخضاعها لمعايير مسقطة عليها من خارجها و لا لمعايير ثقة و تقييم ليست من مجالها . إنها تجربة تذوق اختلط فيها النفسي بالجمالي بالصوفي و بالعقل كحدس و استبصار لتطلعنا على الإلهي فينا و تجذَر الإنساني في واقعنا و المتمثل في :

    • إنتاج انطولوجيا تعتبر الموجودات موجودة من جهة دلالتها على الخالق .
    • تأسيس ابستيمولوجيا قوامها اختلاف الذات العارفة عن الموضوع المعروف .
    • انتاج اكسيولوجيا أخلاقية تسخر من القيم السائدة لتخبرنا عن ضرورة إتقان المهمة التي عهد بها للإنسان .

    و هذا يعني ضرورة الكف عن السعي إلى معرفة مطابقة للواقع و مما يرسم حدود معرفتنا و حدود عقلنا واعتبار الواقع يفلت عن كل تحديد و النظر إلى أن الإنسان لا يدرك العالم كما هو بل كما يبدو له و من منظوريته إذ لا واقع خارج الإدراك (ص177)

    ولان الوجود  غير موجود خارج وعينا به و قولنا له. و مثل هذا ينبهنا إلىصعوبة التواصل و معضلة التبليغ مما يجعل الصمت سبيلا أحيانا .

    ما يراد حقا كشفه في هذا الكتاب هو الحق /اللَهإذ الاختلاف حق لكن لا اختلاف على الحق مهما اختلفت سبل إدراكه . و الكتاب ينبهنا صارخا :"تأكدوا جيدا إن لم يكن العمق ليس إلا طيات السطح ."

    ما يخلص إليه الكتاب هو إعادة النظر في جملة بداهات أهمها :

    • إعادة تعريف الإنسان كشاهد .
    • تعديل فهمنا للهوية حيث أضحت تدرك لا بهيئتنا و إنما بما نحن الجوهر الإلهي متجسدا .
    • إعادة النظر في معنى اللَه هو إعادة رؤية العالم و الحياة بماهي عذاب في الظاهر و رحمة في الباطن.
    • مجاوزة التناقضات مجاوزة نهائية أمر غير ممكن لأن الكون قائم على المتقابلات

    يشي الكتاب بأن الحل ليس في كراس المعلم و إن كان يدلَنا على وجه اللَه و يهمس بان كل ذات تفعل على طريقتها الخاصة فتجد طريقها إلى اللَه.

    صابر بوزايدة

    تونس في 19/12/2019

OlfaYOUSSEFL'auteure

Olfa YOUSSEF

Inscrivez-vous

Lire gratuitement !

Téléchargez et lisez gratuitement les œuvres de l'auteure Olfa YOUSSEF

Contact et RDV

Copyright © 2025 OlfaYOUSSEF.com. All Rights Reserved. Powered with by IDEAL CONCEPTION