• +216 52 231 166
  • Cette adresse e-mail est protégée contre les robots spammeurs. Vous devez activer le JavaScript pour la visualiser.

Blog

 

 

من ألطف ما اعترضنا في رحلتنا على خطى الوليّات مكان يُسمّى ب"بيت الصبيّة" بجبنيانة. يوجد هذا المكان في مزار سيدي مخلوف بجبنيانة، وبمنطقة العامرة تحديدا. وهو قاعة صغيرة لا يمكن بلوغها إلاّ بالمرور عبر المقام. ليس في هذه الغرفة إلاّ نافذة صغيرة بالأعلى بما يجعلها منيعة من الخارج مثلما هي منيعة من الدّاخل. وهذا المكان هو ملاذ لكلّ امرأة لها مشكل مع زوجها أو أبيها أو أخيها. بالعبارة الحديثة، هذا المكان ملاذ لكلّ امرأة تعاني من سطوة المنظومة الذّكوريّة البطريركيّة. هنا تتحصّن المرأة الّتي يريد أهلها أن يفرضوا عليها زوجا، وهنا تتحصّن المرأة الّتي تفرّ من زوج يسيء معاملتها أو من زوج ما عادت تطيق معاشرته. ومهما تكن الحكاية المخصوصة، فالمرأة الّتي تلوذ ب"بيت الصّبيّة" هي في حمى سيدي مخلوف ولا يتجرّأ أحد على الدّخول إليها، ولا على إجبارها على الرّجوع إلى بيت الزّوج أو الأب. إنّ الوليّ يقوم في هذا المستوى بأحد أدواره الأساسيّة وهو حماية كلّ من يلجأ إليه من ضعفاء ومحتاجين. على أنّ خصوصيّة بيت الصّبيّة هو أنّه مكان لجنس مستضعف يجد في الوليّ نصيرا وعضدا.

 

 

 

مقام سيدي بومخلوف بالعامرة

 

مدخل باب الصّبيّة من داخل مقام سيدي بومخلوف

 

ونعتقد أنّ تسمية المكان ب"بيت الصّبيّة" دالّ. فأمّا البيت، فهو المكان الّذي يأوي الإنسان ويحفظه من اعتداءات الخارج، وأمّا الصّبيّة فمستضعفة مرّتين، مرّة لأنّها أنثى في مجتمع يستهجن الأنوثة، ومرّة لأنّها غير متزوّجة في مجتمع يعدّ الزّواج إنجاز المرأة الأهمّ في حياتها.

 

 

صورة داخل بيت الصّبيّة

 

 

الغرفة حصينة بين مقام الوليّ من جهة والشّبّاك العالي من جهة أخرى

 

ونحن نرى أنّ وجود مثل هذا البيت الحامي للنّساء متّسق مع الثّقافة التّونسيّة الّتي كثيرا ما تميّزت عن الثّقافات العربيّة الإسلاميّة الأخرى بحماية النّساء ضدّ الهيمنة الذّكوريّة. فلا ننسى أنّ تونس هي البلاد الّتي أنشأت ما يسمّى بالصّداق القيروانيّ، وهو نوع مخصوص من الصّداق يتيح للمرأة أن تشترط على زوجها أن لا يتزوّج عليها امرأة ثانية. وليس غريبا أن يكون البلد الّذي ابتدع الصّداق القيروانيّ هو نفس البلد الّذي ابتدع بيت الصّبيّة. صحيح أنّ حماية المرأة في الحال الأولى هي حماية بالقانون، وأنّ حمايتها في الحال الثّانية هي حماية بالمعتقد الرّوحانيّ، ولكنّ هدف الحماية الأنثويّة يتحقّق في الحالتين.

 

ألفة يوسف


 

لا يبلغُ اهتمامُ الغيورُ بالموضوع الّذي يطمحُ إلى امتلاكه مبلغ اهتمامه بما يمنحهُ هذا الموضوعُ من لذّة للآخر، وفي حقيقة الأمر، يتوق الغيورُ إلى الاستحواذ على منزلة الآخر، مثل حال إبليس الّذي لم يكن يهتمّ كثيرًا برضا الله عنه أو تقديره لهُ كملاكٍ، قدرَ رغبتهِ في أن يكون في موضع آدم وَمكانه وَبالتّالي يختصّ لنفسه برضا الله وَتقديره، فهو يعتبرُ نفسه أفضل من هذا الأخير إلى حدّ جعله يُحقّر عمليّة خلقه

7 12 ghm

وهذه الرّغبةُ في الاستحواذ على منزلة الآخر قد تبلغُ حدّ القتل،  وَفي أغلب الأحيان يكون هذا القتل قتلًا هوّاماتيًا (meurtre fantasmagorique)

يتكشّفُ هذا القتل خصوصًا في شوقِ الطّفلِ- وهو شوقٌ لا واعٍ- إلى قتل مُنافسهِ، أي أبيه، كي يستحوذ على منزلتهِ إلى جانب الأمّ. وَلكن إذا كان هذا القتلُ الهوّاماتيّ يميّزُ مرحلة نفسيّة ضروريّة يمرُّ بها الطّفل قبل مغادرتهِ للمرحلة الأوديبيّة، فإنّ القتل، بما هو فعلُ قضاء ماديّ على المُنافسِ، يعدُّ أكثر علامات الغيرةِ تمظهرًا، وضمن هذه الرُّؤية تندرجُ أوّل جريمةُ قتلٍ عرفتها البشريّة.

 

cain abel ghm

 

لقد قام واحدٌ من أبناء آدم بقتل أخيه، وَمع أن القرآن يسكتُ عن اسميهما[1]، فإنّ التُّراث الساميّ يُطلق اسم قابيل على القاتل واسم هابيل على القتيل، ولقد عرض المفسّرون روايتينِ تشرحان سبب الجريمة. تقول الأُولى إنّ هابيل وقابيل قدّما قربانًا إلى الله، وكان هابيل راعيًا فقدّم أحسن كبش في غنمه، وكان قابيل فلاّحا فقدّم أسوأ ما في حصاده، فنزلت نارٌ من السّماء على كبش هابيل وأحرقته، وَكانت تلك علامة على قُبول القربان، ولكنّها لم تنزل على حنطة قابيل، فزاد حسدهُ لأخيه فقام بقتله. وتقولُ الرواية الثّانية إنّ حواء كانت تلد في كلّ بطن ولداً وبنتًا، فيحلّ زواج ابن البطن الأوّل من بنت البطن الثّاني وَالعكس، بعد ذلك وضعت حواء تَوأمين وَهُما قابيل وأخته، وَهابيل وأخته، وكبر الإخوة في رعاية الأبوين، ثُمّ أراد قابيل أن يتزوّج بأخت هابيل، وَكان أكبر منه، وَأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وَطلب من أبيه آدم عليه السّلام أن يزوجه إيّاها فأبى. ولكي يحكم آدم بينهما، أمرهمَا أن يُقدّمَا قربانًا ففعلا، فنزلت نار من السّماء والتهمت قربان هابيل، وكانت هذه علامة قبول قربانه، بينما لم تمسّ النّار قربان أخيه. فملأ الحسدُ قلب قابيل على أخيه وقتله[2]. وَفي تقديرنا، لا يعدُّ الاختلاف بين الروايتين جوهريًّا، ففي القصّتين، رفض قابيل القرار الإلهيّ، وَمن ثمّة رفض حُكم القانون الّذي أنشأ الأخوين داخل الاختلاف، وأراد أن يستحوذ على منزلة أخيه، وَما كان هذا ليتحقّق إلّا بإزاحته بعد أن صار غريمه، مثلما هو الحالُ في قصّة إخوة يوسف، فهُم لم يعلنوا رفضهم للشّريعة الإلهيّة الّتي جعلت من أخيهم يوسف نبيًّا، فذلك أمرٌ لم يكن قد حدث بعد، وإنّما أرادوا إزاحة يوسف والاستئثار بمنزلته في قلب أبيهم، يقولُ القرآن في الآيتين 8 و9 من سورة يوسف:

 

" إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ. اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ".

 

إنّ الغَيور، في انتهاكه للقانون وَمُعاناته من استحالة النّفاذ إلى المُتعة اللّامحدودة، لا يُعاني لأنّه واحدٌ من بين آخرين فحسب، وإنّمَا يعاني خصوصًا لعجزهِ عن تملّك المُتعة.

 

وتتجاوز المُعاناة هُنا مُجرّد التمتّعِ بدلًا من الآخر فتصيرُ الرّغبة في التمتّع في موضع الآخر ومكانه، إذ كان هو موضعُ الأصل لما وُجد الآخرون بوصفهم منافسين له، وَالحقّ أنّ الغيور يُعاني لأنّه لم يكن الأوّل، بل يأتي الثّاني في الترتيب، حالهُ كحال بقيّة البشر الّذين سبقهم موضعُ "ال- آخر"، ومن ثمّة يعجزُ عن التدخّلَ وتغيير هذه الحقيقة. ولقد قدّم لنَا القرآن شخصيّتين مثّلتَا صراحةً أولئك الّذين يغارون من منزلة "الأوّل"، أيْ الله[1]

 الشخصيّة الأولى هي مخاطب إبراهيم في الآية 258 من سورة البقرة: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". وقدْ سكت القرآن عن هوّية ذلك المخاطِب، رَغم أنّ المفسّرين قالوا إنّه النمرود بن كنعان[2]، أوْ بمعنى أدقّ، النمرود البابليّ، فهذا الأخير لم يرض أن يمتلك الله قدرةً الإحياء والإماتة دُون أن يتمكّن بدوره من حيازتها، وهذه الصفةُ تحديدًا هي ما يَجعلُ من الله الأوّلَ، وَمُعاناة هذا الغيور تَتجاوزُ عدم حيازته القُدرة على الإحياء وَالإماتة إلى عدم حيازته القُدرة على حياتهِ نفسها، فهُو لا يمتلكها، ناهيك أنّها هبة من "ال- آخر" لهُ، هبة يعجزُ هو نفسه عن النّفاذ إليها.

أمّا الشّخصية القرآنيّة الثّانية الّتي غارت من الله لأنّه الأوّلُ، فهي شخصيّة فرعون الّذي أعلنُ نفسهُ ربًّا صراحة وَمن ثمّة أراد أن يُثبت لمُوسى أنّ إلهه غير موجودٍ مثلما جاء ذكر ذلك في الآية 38 من سورة القصص: " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ".

[1] الأوّل هو اسم من أسماء الله الحسنى.

[2] تفسير الرّازي، المجلّد 7، ص. 23.

[1] "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (سورة المائدة، الآيات 26-30).

ولعلّ سكوت القرآن عن اسمي ولدي آدم يكشفُ عن مغزى عام لعاطفة الغيرة، إذ تعتبرُ هاهنا الدافع الرئيسي لجريمة القتل المرتكبة.

[2] تفسير الرازي، المجلد 11، ص. 209.


 

 

تنقل لنا إحدى الحكايا القديمة أنّ رَجُلَيْن كانا يضربان في الأرض نحو أحد البلدان، وفي الطّريق مرّا بنهر على ضفّته امرأة لا تحسن السّباحة. وطلبت هذه المرأة بكلّ لطف من رَجُلَي الدّين أن يرافقها أحدهم إلى ضفّة النّهر الأخرى. وكان ذلك فعلا إذ حملها أحدهما على ظهره نحو الضّفّة الأخرى وسارت سبيلها. وبعد نصف ساعة من المشي، التفت الرّجل الّذي حمل المرأة إلى صاحبه وقال له: "ليس من عادتك أن تكون صامتا طيلة هذا الوقت، ماذا أصابك؟"، فأجابه رجل الدّين الثّاني: "أنا مغتاظ منك. ألا تستحي من حملك هذه المرأة على ظهرك وأنت رجل الدّين؟". نظر إليه الآخر نظرة طويلة وقال: "أنا حملت هذه المرأة مدّة دقيقة واحدة كي تشقّ النّهر. أمّا أنت فما زلت تحملها في ذهنك إلى الآن".

إنّ هذه الحكاية تشير إلى مسألة فلسفيّة وروحانيّة هامّة هي مسألة الذّات والموضوع والعلاقة بينهما. ومفاد هذه المسألة أنّ بعض النّاس في رفضهم للنّظر في ذواتهم يُسقطون ما فيها على الموضوع. وبعبارة أخرى، فإنّ بعض النّاس في رفضهم للتّفاعل مع الدّاخليّ الجوّانيّ يسقطون على الخارج شيئا من مشاعرهم وجزءا من سلوكهم. ففي الحكاية المذكورة مثلا، نجد أحد رجلي الدّين يُسقط على صديقه إعجابه بالمرأة المعترَضة صدفة في الطّريق، في ح ين أنّ هذا الإعجاب منبعه ذات رجل الدّين المعاتِب في الحكاية. وبدل أن يعترف رجل الدّين لنفسه بهذا الإعجاب وبما نتج عنه من إحساس بالذّنب، فإنّه يسقط شعوره على رجل الدّين الآخر ويحوّله هو إلى مذنب. ونجد الآليّة نفسها تُعتمد عندما يُسقط بعض الرّجال على النّساء تحرّشهم بهنّ. فكثيرا ما سمعنا أو قرأنا لبعض النّاس يعتبرون أنّ سبب التّحرّش الشّائع في بعض البلدان، لباسُ النّساء أو زينتهنّ أو هيأتهنّ في حين أنّ اللباس والزّينة والهيئة ليست إلاّ مواضيع خارجيّة لا يمكن أن تفسّر في ذاتها الإزعاج أو التّحرّش. والدّليل على ذلك أنّ نفس اللباس والزّينة والهيئة قد توجد في بلدان وسياقات أخرى دون أن تنتج إزعاجا ولا تحرّشا.إنّ الإعجاب منبعه الذّات وكذا الشّوق إلى أيّ شيء منبعه الذّات، والسّلوك منبعه الذّات وليس للموضوع فيه أيّ دور مباشر أو حتميّ.

ونجد نفس ضروب إسقاط الذّاتيّ على الموضوع في بعض حالات العنف بين البشر. فمن ذلك أنّ بعض من يعنّفون سواهم يعمدون أحيانا إلى ضرب من العبارات شهير من نوع: "لقد حملني الآخر على ذلك" أو "أنت من دفعتني إلى شتمك أو إلى ضربك" إلخ...إنّ اللجوء إلى هذه العبارات يحمل نوعا من التّبرير الّذي يتهرّب به صاحب أيّ فعل سلبيّ من فعله. ومن هنا نفهم أنّ مشكل "إسقاط الذّات على الموضوع" هو دالّ خر لمدلول "التّهرّب من المسؤوليّة".

إنّ مفهوم المسؤوليّة البشريّة الفرديّة يعدّ حجر الزّاوية في الأديان عموما وفي الإسلام خصوصا، بل لعلّه الأساس الأنطولوجيّ لخلق البشر. يقول الله تعالى: "إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا" (الأحزاب33، 72).ويحيل قبول الأمانة وفق جلّ المفسّرين على قبول المسؤوليّة أو ما يعبّر عنه بلغة الفقه على قبول التّكليف بالالتزام بأداء حقوق الله تعالىوحقوق العباد. وأبرز مظاهر هذه المسؤوليّة هي مسؤوليّة العمل الّذي يقوم به الإنسان، فليس للإنسان إلاّ ما سعى وأنّ سعيه سوف يُرى.

من الثّابت أنّ الإنسان خطّاء بالطّبع، ومن الثّابت أنّ كلّ نفس أُلهمت الفجور والتّقوى، ولكنّنا نعتقد أنّ تحمّل مسؤوليّة الخطإ وجه أساسيّ من وجوه حمل الأمانة. وإنّك إذ تنظر في القرآن، تجد أن آدم ويونس وموسى مثلا، عليهم السّلام جميعا، تحمّلوا مسؤوليّة أفعالهم وطلبوا المغفرة من الله تعالى. فآدم وزوجه بعد أن خالفا أوامر الله تعالى، واقتربا من الشّجرة المحرّمة:" قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين" (الأعراف7، 23)، ويونس عليه السّلام بعد أن ترك قومه قبل أن يؤذن له، قال وهو في بطن الحوت: " لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين" (الأنبياء21، 87)، وموسى عليه السّلام بعد أن طلب رؤية الله تعالى وخرّ مغشيّا عليه، قال إذ أفاق: "سبحانك تبتُ إليك وأنا أوّل المؤمنين" (الأعراف7 ،143)".

وفي مقابل ذلك يعرض القرآن حال من لا يعترف بخطئه ويحاول إسقاطه على الآخر، وإن يكن هذا الآخر هو الشّيطان نفسه. يقول الله تعالى: " وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ الله وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم..." (إبراهيم14، 22). إنّ هذه الآية تبيّن أنّ لوم الآخر(أو الموضوع) مهما يكن لا معنى له، فالإنسان (أو الذّات) وحده مسؤول عن خطئه.واستنادا إلى ما سبق، فإنّنا نتصوّر أنّ نفي الخطإ وإسقاطه على الآخر لا يؤدّيان إلاّ إلى طمأنة وهميّة للأنا يتبعها تكرار للأخطاء لامتناه ولا مسؤول. وربّما كانت مواجهة النّفس بشجاعة هي الخطوة الأولى الّتي على المرء اتّخاذها من أجل المرور من الخطإ إلى الصّواب، وربّما كان الإقرار بالخطإ وقبوله والاعتراف به هو خير سبيل لتجاوزه والانفتاح نحو آت أفضل.

د-ألفة يوسف


Ceux qui s’intéressent à la psychanalyse savent sans doute que pas mal d’auteurs ont tenté d’user de la psychanalyse afin de lire ou relire les textes dit sacrés…Freud dans son « Moise et le monothéisme » est certainement le plus connu, mais  d’autres ont suivi tels que Dolto avec  « les évangiles au risque de la psychanalyse » et « la foi au risque de la psychanalyse », Drewermann dans pas mal de ses ouvrages, essentiellement : « Les fonctionnaires de Dieu », Sibony, notamment dans : « Les trois monothéismes », Vasse, essentiellement dans « Le temps du désir » et Lévinas dans son incontournable « L'au-delà du verset. Lectures et discours talmudiques»…Ce ne sont là que quelques exemples de livres, et la bibliographie où se rejoignent psychanalyse et religion est très riche.

freud ghm

 

Fethi Ben Slama a défriché, quant à lui, le terrain de la psychanalyse et l’islam, notamment dans son ouvrage : « La psychanalyse  à l’épreuve de L’islam».

benslama ghm

Dans cet article, Loin de nous l’ambition de présenter la relation entre psychanalyse et religion, islam en particulier…Nous tenterons juste, pour être en relation avec  l’actualité,  de prendre à témoin la psychanalyse avec certains de  ses concepts et ce, afin de lire la position « psychique » de l’islamisme radical et celle opposée de l’islam spirituel…

Toute religion, quelle qu’elle soit, est une tentative de répondre à des questionnements existentiels tels la position de l’être humain dans ce monde et la finalité de son existence.

3 questionnements (conscients ou inconscients) jalonnent la vie de l’Homme :

 

1- Personne ne peut donner à l’Homme un sens à son existence qui ne soit l’empreinte d’un autre.  C’est la mère qui positionne l’enfant dans ce monde, mais ce positionnement est inéluctablement lié aux angoisses de la mère et ses désirs. Le stade du miroir tel qu’analysé par Jacques Lacan l’exprime profondément. Le désir de l’enfant est perverti à jamais par le désir de la mère.

2- Etant donné l’essence de la parole , aucun signifiant ne peut donner accès à la réalité. L’Homme est balloté de mot en mot, sans aucun lien à la réalité, sauf  par la supposition hypothétique. Le symbolique est intrinsèquement séparé de la réalité. Et le mot créateur de la chose est à jamais perdu. Le langage devient le seul point où s’origine l’Homme.

3- Tout étant est le meurtre d’un autre possible ; aussi la vie est-elle une série de deuils où à chaque choix, l’Homme perd d’autres choix possibles. Les deuils se manifestent au départ par la marque du genre : masculin ou féminin, et point les deux ; et se poursuivent de diverses manières. Même dans la chaîne syntagmatique le choix d’un mot élimine, inéluctablement, les autres.

 

Face à ces manifestations d’insécurité, face à ce « manque à être » (pour utiliser un terme psychanalytique) inhérent à la condition humaine, face à ces « maux » existentiels, il y a deux réponses possibles ; l’une est celle de la religion dans son interprétation radicale et orthodoxe, l’autre est celle de la foi dans sa portée spirituelle…Selon l’une ou l’autre, on tentera d’user de l’approche psychanalytique.

  • Les pulsions de l’Homme étant incohérents (dans un visée rationnelle), il est presque évident qu’ils soient les premiers à subir les foudres du religieux dans son acception courante. Le sexuel est dévalorisé et considéré comme souillure ou attribut animal, l’émotionnel est déprécié, l’art et l’esthétique sont bannis ou du moins réprimés et censurés…Les actions libres des humains se muent en recettes indiscutables que tout le monde est censé suivre ; notre conception du « fiqh » n’est-elle pas basée sur une taxinomie de ce qu’il faut faire ou ne pas faire  même concernant la plus banale des actions? Ainsi, on se pose des questions concernant ce qu’on doit dire avant d’entrer au souk, à la mosquée, au bain-maure ou au cimetière.

La réponse de la Foi à l’incohérence est toute autre. La foi (tout comme la psychanalyse) réhabilite le pulsionnel et l’émotionnel. N’oublions pas que la psychanalyse est basée sur le concept de l’inconscient. Il y a une part de l’Homme qui lui échappe nécessairement, et tenter de contrôler ses actions ou celles des autres n’est qu’un grand leurre. L’incertitude fait partie de la vie, et un certain lâcher-prise de confiance en Dieu est nécessaire. L’acceptation de la foi est opposée au déni de la religion dans son approche radicale. L’homme est multiple dans son essence même : « Je jure par l’âme qui a été crée, elle a été inspirée  tant par la débauche que par la crainte de Dieu» (Sourate le soleil, versets 7 et 8)

En lieu et place d’une morale de devoir s’installe, alors,  l’éthique du désir…car comme le dit Albert Plé : « L’authentique vie morale ne peut être qu’endogène », et non point extérieure à l’Homme. Le prophète aurait lui même dit : « Prends ton cœur en guise de juge ».

  • A l’absence originelle d’une réponse définitive sur la vérité du sujet, les religieux tentent de dénier la structure de l’absence. Dieu est absent, présent par son absence ? qu’importe, l’homme religieux va le représenter en s’arrogeant tous ses apanages, en désignant les bons croyants, les mauvais et les mécréants. Tous les questionnements concernant la vie ici-bas ou la vie à l’au-delà trouveront réponse détaillée et définitive chez le « faqih ». Aucune place au vide ni au questionnement. Le sens est définitif, et le trou est obstrué.

La foi, s’adossant sur la psychanalyse, ne cherche point à combler le manque à être humain. Elle l’accepte comme étant marque de l’humain ;  Le renoncement à être Tout pour accepter d’être un parmi les autres et essentiel en psychanalyse et trouve écho dans la foi. L’une des conditions de la croyance musulmane  n’est-il pas  celui de craindre Dieu l’Absent? L’autre condition n’est-elle pas de croire que le Seul Dieu connaît l’interprétation du Coran, et que toutes les interprétations humaines ne sont qu’une lecture relative échouant nécessairement à représenter le premier mot divin : celui par qui la vie a commencé. La présence de Dieu sur le mode de l’absence est inéluctable, et cette absence ne peut être comblée par tous les « représentants » de Dieu sur terre, car elle est essence de la divinité. A la place du gigotement frénétique et du refus de l’absence, se faufilent la sérénité de l’acceptation . L’homme de religion, supposé suppléer Dieu, est aussi démuni de réponses définitives concernant ghm le sens de l’existence que le commun des mortels. Le « supposé savoir » qui s’adresse au faqih s’avère n’être qu’un leurre, différemment du « supposé savoir » qui s’adresse au psychanalyste, et qui ouvre la porte à des découvertes nouvelles. La différence est de taille : l’homme de religion croit savoir et veut le faire croire à ses adeptes ; le psychanalyste sait qu’il ne sait pas, et fait de ce nom savoir le lieu de l’émergence d’un autre type de savoir « salvateur » pour l’analysant.

  • Face à l’insécurité essentielle, et face à l’absence de réponse définitive, certains religieux cherchent l’appartenance à un groupe ou une institution d’ordre religieux. Ce groupe ou institution joue le rôle du nid sécurisant contre l’ « angoisse de l’identité défaillante ». Aussi retrouve-t-on une même manière de s’accoutrer propre au groupe. L’intérêt exacerbé qu’on accorde au port du voile ou de la barbe est à ce sujet édifiant. Certains hadiths confirment le rôle que joue l’accoutrement dans l’expression visuelle de l’appartenance au groupe. Le prophète aurait par exemple expliqué sa demande de laisser pousser la barbe par son désir de voir les musulmans différents des chrétiens ou des juifs. Le « jilbab » (type de tunique couvrant la femme) avait pou rôle de distinguer la femme esclave de la femme libre.

Les signes distinctifs sont tellement valorisés qu’ils en deviennent chez  certains la seule condition de l’appartenance au groupe ; et ce sentiment d’appartenance renforcé par la multiplication des signifiants trouve sa plénitude dans l’attaque de l’autre différent. Tout comportement différent à celui du groupe est critiqué et réprimandé. Celle qui ne porte pas le voile ou celui qui ne porte pas la barbe a droit à tous les adjectifs dépréciatifs possibles et imaginables. On peut se poser la question concernant cette agressivité, et la psychanalyse nous donne quelques éléments de réponses. En effet, la multiplication de ces signes est un moyen de cacher la faille essentielle, l’appartenance à l’institution est un moyen  de fantasmer sur la puissance du groupe, genre de projection sur une mère toute puissante. La présence d’un autre différent montre la possibilité d’une manière d’être autre, cette présence introduit dans la machine bien huilé le doute, et rappelle au religieux ce qui lui fait horreur ; elle lui rappelle ce qu’il fait tout pour occulter, à savoir le PRECARITE du religieux rempart contre la menace existentielle.

La foi, elle, est une expérience individuelle, telle l’analyse différente selon chaque analysant. Plus besoin de sentiment d’appartenance ni de jeter son dévolu sur l’autre. Comme l’expérience psychanalytique, la foi est questionnement incessant qui ouvre sur le désir.

La foi, comme la psychanalyse, fait tomber l’idole sous quelque forme qu’elle soit. Qu’elle ait la forme de l’institution, de l’homme de religion, ou d’une réponse définitive, l’illusion de vérité collective vole en éclat afin que le sujet renaisse à lui même, et afin qu’il s’origine non point dans l’autre susceptible de se tromper et de tromper, mais dans l’Autre qui ne se trompe point.

En défaisant les certitudes aliénantes, en se laissant surprendre par le Réel, en valorisant l’expérience intime de la rencontre avec le spirituel, l’Homme peut retrouver le chemin de paix et de sérénité.

Cet article ne prétend point que la psychanalyse est nécessairement religieuse…Bien au contraire, des tas de psychanalystes et d’analysants n’ont rien à voir avec le fait religieux…Mais, on prétend, comme pas mal de penseurs, que psychanalyse et religieux ne se nient pas…La psychanalyse est nécessairement croyante, en ce que l’analysant et l’analyste croient à la pertinence de cette expérience, en ce que les deux croient à la parole qui guérit. La réconciliation entre psychanalyse est religion n’est pas une quelconque conversion, mais une ouverture possible sur une lecture autre des textes de la religion, voire même, comme on a tenté de l’effleurer sur une approche subjective autre du fait religieux. Cette réconciliation pourrait nous permettre d’approcher le Coran par exemple dans sa dimension des profondeurs, sans prétendre donner un mode d’emploi pour la lecture du texte  ni prétendre détenir une vérité salvatrice ou une réponse absolue. La psychanalyse, expérience faite d’interrogations et de doutes, ne prétend pas donner une pseudo-certitude rationnelle, mais elle permettrait à ce que se faufilent entre les mailles des lectures figées et immuables du Coran le désir de l’individu et les horizons de sa paix intérieure.

On prétend que la lecture psychanalytique peut trouver écho dans l’approche mystique du Coran, et un retour aux textes des grands sufis musulmans tels Ibn Arabi ou AlHallaj ou jalaleddine Erroumi peut s’avérer très intéressante et très enrichissante de l’islam lui-même. Hélas, de par l’histoire des musulmans, c’est le faqih qui a pris le dessus sur le mystique, aussi la dimension des profondeurs du texte coranique en particulier et de l’islam, en général, a-t-elle été bafouée en faveur de celle canonisée et générant une fausse certitude. Et si la faille de la crise de l’islam et la modernité s’originait à ce niveau là ?

Dans cette visée, Bahram Elahi aurait dit : «  La religion est semblable à une amande protégée par une coque, elle a un intérieur et un extérieur ; le but est d’obtenir l’amande, et pour cela, il faut briser la coque. Pourtant, nombreux sont ceux qui ne voient que la coque et ne soupçonnent même pas l’existence de l’amande ».

bahram ghm

 

Olfa Youssef

Universitaire tunisienne

 

 

 


 اذا المفهوم متاع الحرام موش باش يتبدل، وباش يقعد واقف في الاعضاء الجنسية والمشروبات الكحولية، باش نقعد طول عمرنا بلا أخلاق...

الحرام، وموش بالمعنى الفقهي، أعمق بكثير... حرام انك توقف كرهبتك بين زوز بلايص وتخسر سائق آخر بلاصة ممكنة.. حرام كموظف أنك تخلي مواطن يستنى ربع ساعة وانت تدز في البيدق في التليفون... حرام أنك تعمل حس على جيرانك الا للضرورة وفي أوقات معقولة... حرام أنك تحكم على شخص ما تعرفوش من كلام ناس أخرين عليه ينجمو يكونوا كارهينو والا حتى حاسدينو... حرام أنك تضرب شطر الترتوار وانت قاعد تترشف في قهوتك والا تتكيف في الشيشة... حرام أنك تطلب باش ينجحو لك قريبك بالمعارف في كونكور متاع قراية والا خدمة... حرام أنك تستغل نفوذك باش تحرم ناس من حقهم... حرام أنك تسرق كلام غيرك وأفكاره وتعمل بيهم ماستار والا دكتوراه... حرام أنك تكون صنايعي وتعطي كلمة باش تجي تصلح حاجة في الدار، وتهرب من غير ما تعتذر... أحنا عايشين في الحرام... كانك من المخونجين ماشي في بالهم كيف يديو الفرض الشكلي، سلكوها وضمنو بلاصة في الجنة... وكانك من اللادينيين، ماشي في بالهم اللي كلمة حرام ديمودي ومن مظاهر التخلف... وما دامنا عايشين في الحرام، ما يحكمونا كان أولاد الحرام...(بالمعنى الرمزي طبعا)...


عزيزي الرّجل

 

 

الأعياد أيّام احتفالية دوريّة وهي أنواع منها الأعياد الدينية شأن عيد الفطر وعيد الأضحى وعيد الفصح ومنها الأعياد ذات الصّبغة السياسية شأن أعياد الاستقلال بأنواعها. ونجد في عصرنا الحديث احتفالا بأيّام مخصوصة تُسند إلى مواضيع متعدّدة فنجد مثلا يوم حقوق الإنسان ويوم السّيدا ويوم الامتناع عن التّدخين، ونجد أيّاما تحتفي بفئات مخصوصة شأن يوم المسنّين ويوم الطّفل ويوم المعوقين ويوم المرأة الّذي تحتفل به المجموعة العالميّة يوم 8 مارس من كلّ سنة..
وممّا يميّز هذه الأيّام جميعها أنّها تحتفي عموما بما يتميّز بالجدّة وما يُسعى إلى ترسيخه. فحقوق الإنسان مثلا بمصطلحه هذا وتصوّره السّائد اليوم إنّما هو مفهوم حديث وكذا مفهوم الطّفولة والمسنّ والمعوق. فلم يكن المسنّ سابقا فئة اجتماعيّة مخصوصة يُفترض أن تحظى بالعناية وقد تطوّر اليوم أمل الحياة في العالم كلّه ونشأ معه مفهوم المسنّ النّشيط الفاعل في المجتمع. وما كان ذوو الاحتياجات الخصوصية يتمتّعون بالإدماج الاجتماعيّ. ولم يكن للطّفل قبل الحداثة شأن وكان يُعدّ من "ممتلكات الوالدين" ناهيك أن بعض الدّول ما زالت إلى الآن ترفض المصادقة على اتفاقية حقوق الطّفل.

C353D52D 9FBB 4E81 941D BF9082962D5E
ولا يخرج مفهوم المرأة عن المنظور نفسه ذلك أنّه مفهوم حديث فالمرأة عموما وفق التّصوّر الوسيط تابع للرّجل، تدخل في ملكيّته ونجد لهذا صدى إلى الآن في كلمة "حرم" التي تُعتمد لإثبات الحوز، والحوز المخصوص. والمرأة وفق التّصوّر التّقليديّ تنتقل من ملكية ذكورية هي ملكية الأب إلى ملكية ذكورية أخرى هي ملكيّة الزّوج.
ولا شكّ أنّ تخصيص يوم عالميّ للمرأة يذكّر بمفهوم المرأة الحديث ويذكّر بنضالات نساء العالم من أجل تحوّلهنّ من مواضيع إلى ذوات. والحقّ أنّي في هذا المقال أبعد ما يكون عن هذا التّصوّر الحقوقي وإنّما أريد أن أخاطب في مقالي هذا الرّجل على هامش الاحتفاء بعيد المرأة.


عزيزي الرّجل، لا شكّ أنّك بذكائك المتفوّق الّذي منحه الله تعالى إيّاك قد لاحظت أنّ المحتفى بهم من الفئات الاجتماعيّة في أيّام مخصوصة هم ممّن لا يمثّلون الطّراز الأصليّ للإنسان. ولمن لا يعرف-وأنت لا شكّ تعرف- فالطّراز هو الصّورة المثلى لما يمكن أن يكون عليه الشّيء. والطّراز عند علماء الدّلالة هو أفضل من يمثّل مجموعة معيّنة فاللقلق مثلا من الطّيور ولكنّه ليس الطّير الطّراز إذ الطّير الطّراز يشمل البلبل والخطّاف وما لفّ لفّهما من طيور مألوفة.
والمهمّ أنّ الطّفل لا يمثّل طراز الإنسان فهو ما زال صغير السّنّ يتميّز بالضّعف والافتقار إلى الآخر والمسنّ الّذي لا يقلّ عن الطّفل عموما ضعفا وافتقارا لا يمثّل طراز الإنسان، وكذا ذوو الاحتياجات الخصوصيّة. وحتّى الشّابّ الّذي يُخصّص له في بعض البلاد أيّام للاحتفاء به فهو يتميّز بالتنطّع وبافتقار إلى النّضج والحكمة. ولا تمثّل المرأة طراز الإنسان أيضا إذ هي في المخيال الاجتماعيّ عموما تقلّ حكمة وتزيد دهاء وكيدا، ألا يقول العرب: شاوروهنّ وخالفوهنّ؟ وألا يُعتبر من يُنشّأ في الحلية غير مبين في الخصام؟ وألا يخاطب جماعة النّساء وإن بوجود ذكر واحد بضمير المخاطب الذّكر: أنتم؟
إنّ طراز الإنسان إذن هو الرّجل العاقل السّليم، والطّراز لا يُحتفى به في يوم ولا يُبحث فيه لأنّه متميّز بذاته. إنّنا لا نجد في النّحو مثلا بابا اسمه: الأسماء الّتي تنوّن وفي مقابل ذلك يوجد باب الممنوع من التنوين. لا نبحث المنوّن لأّنه الأصل والطراز، ونبحث الممنوع من التنوين لأنّه الخارج عن الأصل والطّراز. ومن المنظور نفسه هل سمعتم يوما عمّن يبحث في الأدب الرّجالي في بلاد من البلدان؟ وألم نشبع في مقابل ذلك ندوات وأبحاثا تهتمّ بالأدب النّسائي وخصوصياته؟ وهل سمعتم يوما بمن يستفتي في الرّجال إن هم إلاّ يستفتون في النّساء فحسب...
عزيزي الرّجل، وأنت طراز الإنسان وصورته المثلى، إنّني لا أغبطك على هذه "الطّرازيّة" ليس فحسب لأنّي أومن بأن لا يتمنّى أحد موضع الآخر وليس فحسب لأنّي أومن أنّ للرجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيب ممّا اكتسبن وليس فحسب لأنّي أضحك ممّا تخفيه بعض الكتابات النّسويّة من عصاب نفسي واضح مردّه رفض بعض النّساء لذواتهنّ وطموحهنّ اللاوعي إلى أن يكنّ "رجالا"....ليس لهذا فقط لا أغبطك يا عزيزي الرّجل الطّراز. أنا لا أغبطك لأنّي أعرف ما يستدعيه منك هذا "الوضع" من صعوبات وتضحيات جسام.
عندما كنت طفلة كان أصدقاء لعبي من الذّكور يتراشقون بالتّهم، ومن أشنع تهمهم وقتها أن يقول أحدهم للآخر:لست رجلا. فكنت أراهم يتعاركون ويتشاتمون ولم أكن أفهم ذلك إذ أنّي إذا قيل لي لستِ رجلا أو حتّى لستِ امرأة اكتفيت ببسمة عابرة لا مبالية. ثمّ فهمتُ مع الزّمان أنّ هذه "الرّجولة" هي المكسب ورأس المال وأنّها بتجلّياتها المختلفة من المقدّسات التي لا ينبغي المساس بها فكيف بنفيها ولو بكلمة. فهمت عزيزي الرّجل أنّك مجبر طيلة حياتك على أن تثبت جدارتك بهذه الرجولة الطّرازّية. فهمتُ أنّك إذا فشلت في أن تكون الأوّل في قسمك وأنت طفل في الإعداديّ وإذا صادف أن كانت الأولى تلميذة زميلة يُقال لك:"هكّا غلبتك طفلة". فهمتُ أنّك إذا حزنتَ ورغبتَ في البكاء تكتم آلامك ولا تجري دموعك. أو يبكي الرّجال كالنّساء؟ فهمتُ أنّك تعاني خوفا من أن تُتّهم بالعجز أيّ عجز فإذا كان لك مشكل جنسيّ غرقتَ في دوّامة الأحزان أو العنف. أفلا يوصف الرّجل بالعاجز أمّا المرأة فإن تكن أبرد من صقيع ليالي القطب الشّمالي فهي باردة ولكنّها لا تعجز البتّة وهل يعجز غير الفاعل؟ فهمت أنّك إذا كنتَ عقيما (والله تعالى يجعل من يشاء عقيما من الإناث والذّكور) سعت عائلتك بشتى الطّرق إلى أن تثبت أنّك سليم وأنّ العيب في زوجتك. فهمت أنّك إذا خطبت ودّ فتاة فرفضتك ركبتك الوساوس والهلاوس أَوَ يُرفض الرّجل؟ فهمتُ أنّك إذا صرخت أو غضبت أو تمسّكت بعنادك ودخلت في صراعات فكريّة أو سياسيّة أو دينيّة تريد غالبا أن تثبت ذاك الّذي به كُنت طرازا، تريد أن تُحافظ على هذه الرّجولة مقاوما بذلك خوفا لاواعيا في أن تُتّهم بفقدانها.
عزيزي الرّجل أعرف أنّك في أعماقك، بهذا الخوف الدّفين الجميل، طفل يحنّ إلى حضن أمّه ولكنّه يكابر ويعاند ويُذكّر العالم كلّه: أنا رجل...نعم أنا رجل...نعم أنا رجل...
عزيزي الرّجل، هذا المقال لك وحدك لأقول لك إنّي أحبّك كما أنت. ولتكن الإنسان الطّراز ولن أخبر أحدا بما وراء هذه "الدّرجة" من تعب ونصب. فليبق الأمر بيننا إمّا أن تقبل هذا الوضع المغري ظاهرا والعسير فعلا أو أن ترفضه فتلتحق بركب الّذين نحتفل بهم في أحد أيّام السّنة.
عزيزي الرّجل هذا مقالي هدّية إليك بمناسبة اليوم العالميّ للمرأة فإن أعجبتك الهديّة فسأفرح وإن لم تعجبك فلن أحزن. أفلست امرأة ومتى استقام مع النّساء مقال؟


النّجاح والسّعادة

 

يخلط المخيال الشّائع بين كلمتين يتواتر استعمالهما معا، ويتواتر في بعض الأحيان تعاوضهما وهما كلمتا النّجاح والسّعادة. والحقّ أنّ الكلمتين مختلف معناهما تماما.

النّجاح:

يتّصل النّجاح بتحقيق جماع أشياء في العالم الخارجيّ. فيمكن أن يكون النّجاح نجاحا في العمل بالحصول على شغل لائق، ويمكن أن يكون النّجاح نجاحا في تحقيق الثّراء بالحصول على أموال، ويمكن أن يكون النّجاح نجاحا في تلميع الصّورة الاجتماعيّة ببلوغ منصب سياسيّ مرموق، ويمكن أن يكون النّجاح نجاحا في إشباع النّرجسيّة الفرديّة بإنجاب البنين والبنات إلخ...

ومهما تكن مجالات النّجاح وسبله فهو يتحدّد وفق نظرة الآخر، وغالبا ما يكون هذا الآخر هو الآخر الجماعيّ متمثّلا في المجتمع الّذي يحيا فيه الإنسان. ويمكن أن يكون النّجاح وفق الآخر الفرديّ، زوجا كان أو صديقا أو زميلا في العمل.

ومن جهة أخرى، فإنّ النّجاح، على اختلاف مجالاته وتنوّعها، يقوم على الجمع، فمن يجمع المال يحاول دوما مواصلة جمعه، ومن يرنو نحو المناصب يبذل قصارى جهده حتّى تظلّ دوما، وكذا سائر المجالات الأخرى. إنّ النّجاح حركة لا تنتهي نحو مزيد الجمع. وهي حركة ترنو بالضّرورة إلى المستقبل ساعية نحو جمع آت يكون أكبر وأكبر. على أنّ هذا الجمع لا يني ولا ينتهي ولا يُشبع. ذلك أنّ تحقيق أيّ حاجة يفتح الباب على تحقيق حاجة أخرى سواها وهكذا دواليك...

انطلاقا ممّا سبق يمكن أن نقرّ أنّ للنّجاح ثلاث سمات أساسيّة، أولاهما أنّه يتجسّم من خلال نظرة الآخر الخارجيّ، وثانيتهما أنّه منفتح نحو المستقبل، وثالثتهما أنّه يقوم على الجمع. وهذه السّمات الثّلاث هي الّتي تكتب حدّ النّجاح الأساسيّ، وهذا الحدّ مفاده أنّ النّجاح لا يُشبع ولا يريح. فكم عاشق شعر أنّ وصال معشوقه هو أقصى آمال نجاحه في الحبّ فإذا به يحسّ بعد تحقّق ذاك الوصال بوحشة النّفس التي تتوهّم الإشباع فلا تصادف إلاّ فراغا، وكم معوز تصوّر أنّ تكديس المال وتجميعه يجيب نهم نفسه فإذا به لا يجد بعد جمع الثّروات سوى رزم من المال لا تريح ولا تطمئن.

السّعادة:

إذا كان النّجاح يقوم على جمع المواضيع الخارجيّة مهما يكن ضربها ونوعها واختلافها، فإنّ السّعادة لا علاقة لها بالمواضيع الخارجيّة لا كمّا ولا كيفا. وبعبارة أخرى، فكلّما اتّجهَتْ نفسُك صديقي القارئ نحو تحقيق أيّ هدف مادّي في العالم الخارجيّ، فاعلم أنّ تحقيق ذاك الهدف قد يحقّق لك إشباعا آنيّا لا يلبث أن ينفتح على فراغ وهوّة تحدوك إلى أن تنشد تحقيق أهداف أخرى. وبذلك فمهما تكن عدد الأهداف الّتي ستحقّقها في حياتك فإنّها لن تكون السّبب الجوهريّ لسعادتك. إنّ السّعادة خلافا للنّجاح ليست سعيا نحو موضوع خارج الذّات، ولكنّها حال ذاتيّة جوّانيّة داخليّة ثابتة لا تفعل فيها المؤثّرات الخارجيّة المتنوّعة. ومن المنظور ذاته، فإنّ السّعادة لا تختلف باختلاف السّياقات وتنوّعها، وليست مفتقرة إلى اعتراف من الآخر أو إقرار.

ذلك أنّ السّعادة، خلافا للنّجاح، ليست منفتحة نحو المستقبل وليست ترنو إلى الزّمن الآتي الّذي يظلّ مجرّد غائب وهميّ. إنّ السّعادة هي اندراج في اللحظة الحاضرة بكلّ ما فيها وكلّ من فيها. إنّ السّعادة ليست من باب الجمع لأنّ اللّحظة الحاضرة تحتوي كلّ شيء بالقوّة وبالفعل. فأن تحيا في هذه اللّحظة الحاضرة بكلّ ذاتك يحيلك على ما يسمه بعض الحكماء والفلاسفة الرّوحانيّين بالحياة في "الحضرة الإلهيّة". فكيف يكون ذلك؟

يكون ذلك بكلّ بساطة بأن تتذكّر في كلّ لحظة أنّ كلّ ما تجمعه وما تحصل عليه وما تناله ممّا يسمّى نجاحا هو وقتيّ وراحل وفان بالضّرورة. لا يعني هذا أنّ الطّموح أو السّعي نحو النّجاح ليس مشروعا. بالعكس، إنّ نشدان الأفضل هو من طبيعة الإنسان. ولكن يبدأ المشكل عندما يلخّص الإنسان ذاته في تكديس الأهداف المادّية والغايات الموضوعيّة، وينسى أنّ جوهر الإنسان أكبر من ذلك وأعمق.

إنّ النّجاح متّصل بما تملك(l’Avoir)، والسّعادة متّصلة بكينونتك(l’Etre). فما تملكه عابر أمّا جوهر كيانك الرّوحانيّ فسرمديّ خالد. ومن هنا، فلكي يكون الإنسانُ، عليه أن يتخلّى عن وهم الامتلاك المُشبِع لأنّ الإنسان، بكلّ بساطة، لا يمكن أن يمتلك شيئا.إنّ حياتنا في جوهرها قائمة على العطاء بل إنّها عطاء،ألا يعطي كلّ منّا بعضا من حياته في كلّ لحظة يحياها،أليس الأكسجين قوام حياتنا حاملا في تركيبته الأصليّة كلّ العناصر المؤكسدة الّتي تحلّل الجسد شيئا فشيئا؟إنّ جوهر حياتنا هو أن نهب هذه الحياة الّتي وُهبت لنا دون أن نطلبها ودون أن نطالب بها.إنّ هبة الحياة لنا هبة مجانيّة لا ينشد منها الواهب أيّ مصلحة،وهذا ما قد نجد عسرا في فهمه إذا ما لم نفهم أنّ جوهر الحياة هو العطاء.ففي هذا العطاء يتحقّق معنى الوجود البشريّ.

إنّ السّعادة هي في أن تتذكّر دوما أنّ وجودك نعمة من نعم الله تعالى، وهذا الوجود الّذي يتجسّم ويتجدّد كلّ لحظة هو جوهر كيانك. أمّا الموضوعات الّتي تحصل عليها فهي رغم قيمتها أعراض زائلة فانية. ألا يذكّرنا هذا بقول الله تعالى: "المال والبنون زينة الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثوابا وخير أملا" (الكهف، 46)؟. إنّ النّجاح هو زينة الحياة الدّنيا أمّا السّعادة فمتّصلة بجوهر كياننا الّذي لا يزول.

ألفة يوسف


كان أحد الأنثروبولوجيين يحاور أشخاصا من إحدى القبائل في عمق قارة ما...
سأل الباحث الشخص: ما الذي ينقصكم في حياتكم؟
أجابه الشخص بكل جد: ما معنى "ينقصكم"؟؟؟
إنّ من وجد نبض الحياة في أعماق ذاته لا يعرف معنى النقصان الذي توهمنا به الحضارة الحديثة، تجعل الانسان يجري وراء مواضيع يتصور أنها تجيب حاجته، فإذا بها لا تفتح إلا على فراغ...
اللهمّ ألهمنا نورا نرى به ما نملك ولا تجعلنا كالوحوش تتناهش من أجل وهم لا يغني ولا يسمن من جوع...